الوسط نيوز

Weekly Updates

النص هنا

Do not worry we don't spam!

الوسط نيوز

السعودية و لعبة الإنضمام لمجموعة "بريكس"

حيّان نيّوف

شكّلت تصريحات وزير التجارة السعودي "ماجد القصبي" على هامش منتدى "دافوس" المنعقد في سويسرا مفاجأة من العيار الثقيل بالنسبة لمجموعة "بريكس" تحديدا، وذلك بإعلانه بأن بلاده لم تتخذ بعد قراراً بالإنضمام للمجموعة وأنها ما زالت تدرس الدعوة المقدمة لها بهذا الخصوص. وتتناقض تصريحات الوزير السعودي مع ما أعلنه التلفزيون الرسمي السعودي في الثاني من الشهر الحالي بأن السعودية باتت عضوا في "بريكس".

السعودية واحدة من ست دول وجهت لها الدعوة للإنضمام للمجموعة خلال قمتها التي عقدت في آب/أغسطس من العام الفائت في جنوب أفريقيا والتي اعتبرت قمة تاريخية نتيجة لاتخاذها قرارا بتوسيع المجموعة.

وقبل السعودية سبق وان أعلنت الإرجنتين رفضها الإنضمام للمجموعة وأبلغت دول بريكس بذلك في نهاية العام الفائت بعد وصول الرئيس اليميني الجديد للسلطة "خافيير مولاي" والذي يتبنى الطروحات الغربية في الإقتصاد و السياسة.

المتتبع للمواقف والتحركات الامريكية اتجاه السعودية منذ قمة جنوب أفريقيا يمكنه ان يلحظ التالي:

• رحب وزير الخارجية السعودي الذي حضر قمة جوهانسبورغ في حينها بدعوة مجموعة "بريكس" بلاده للانضمام إليها، موضحا أن المملكة تنتظر التفاصيل لاتخاذ "القرار المناسب" بشأن العضوية، أي ان الوزير السعودي لم يعلن عن موقف نهائي من الدعوة في حينها.

• تكثفت زيارات المسؤولين الأمريكيين للسعودية منذ قمة جوهانسبورغ ، وشملت زيارت عدة لوزير الخارجية "انطوني بلينكن" و مدير CIA "وليم بيرنز" وغيرهم من مسؤولي إدارة جو بايدن و أعضاء في الكونغرس الأمريكي، وتركزت مباحثات المسؤولين الأمريكيين في المملكة على إعادة صياغة الشراكة الإستراتيجية و التحالفية بين واشنطن والرياض بجوانبها الأمنية الإقتصادية و العسكرية و المالية وفي مجال الطاقة وغيرها.

• بذلت واشنطن كذلك جهدا كبيرا لإنجاز التطبيع السعودي الإسرائيلي بأسرع ما يمكن.

• سارعت واشنطن وبعد إسبوعين من قمة "بريكس" في جوهانسبورغ للإعلان عن مشروع الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي على هامش قمة العشرين في الهند.

يتضح من كل تلك المواقف والتحركات الأمريكية بأن واشنطن بذلت جهودا مكثفة تضمنت تقديم العديد من الإغراءات والبدائل الجيوسياسية للرياض لمنع أو تأجيل انضمامها إلى مجموعة "بريكس" التي تنظر لها واشنطن و الغرب الجماعي على أنها منافس سياسي واقتصادي وجيوسياسي للغرب الجماعي، أو على الأقل هكذا روج الغرب الجماعي سياسيا و إعلامياً وغايته بث الشكوك لدى الدول التي تتبنى الدولار كعملة رئيسية في تعاملاتها من نتائج استبداله ولإطاحة به من قبل مجموعة "بريكس".

إن المتتبع للسياسات السعودية في العامين الأخيرين، وبالنظر إلى استراتيجية المملكة التي اعلنها ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" والتي تتمحور حول تحويل السعودية إلى مجال جيوسياسي للربط بين الشرق والغرب و بين اسيا وافريقيا واوروبا، يستنتج بان الرياض تبنت استراتيجية تقوم على تنويع التشبيك العالمي و الإقليمي بدلاً من الإعتماد كليا على الولايات المتحدة ، فالصين والهند يتصدران قائمة الشركاء التجاريين للمملكة، وروسيا تمثل شريك رئيسي وخاصة في مجال الطاقة عبر اوبك+ ، وهذه الدول الثلاث هي دول أعضاء رئيسية في مجموعة "بريكس".

من غير المستبعد أن تكون السعودية قد استخدمت ملف الإنضمام لـ"بريكس" كورقة تفاوض استغلتها للضغط على واشنطن لدفعها لتقديم تنازلات كبيرة في سياق الشراكة الإستراتيجية الجديدة المنشودة معها، وهو ما دلت عليه الشروط السعودية للتطبيع مع اسرائيل كجزء من هذا الملف، والتي تضمنت مطالب سعودية بالسماح لها بالحصول على برنامج نووي متكامل، و توطين للصناعات العسكرية، والتزاما أميركيا موثقا بالدفاع عن المملكة وتزويدها بأصناف متطورة من السلاح.

ويبدو أن مباحثات الجانبين السعودي و الامريكي كانت قد وصلت إلى مراحل متقدمة بما في ذلك التطبيع السعودي الإسرائيلي ، وربما كانت على وشك الإعلان عن نتائجها قبل أن تقع مفاجأة طوفان الأقصى وتردداتها التي أصابت كل تلك المشاريع، وتسببت بتجميد الممر الهندي وعرقلة التطبيع السعودي الإسرائيلي، وتأخير إنجاز اتفاقية الشراكة الاستراتيجية السعودية الأمريكية ، وزادت على ذلك بعسكرة البحر الاحمر كأهم ممر بحري تجاري في العالم ، بالإضافة إلى الأخطار التي قد تنتج من توسيع الصراع.

في إطار هذه المواقف و التطورات جاء الموقف السعودي بالتريث بالإنضمام لبريكس، والذي يمكن استنتاج واختصار بعضاً من دلالاته بالتالي:

• في ظل احتدام الصراع الجيوسياسي الإقليمي والعالمي، فإن الرياض لا ترغب بالظهور بموقف المنحاز لبكين وموسكو على حساب واشنطن.

• تعتقد الرياض بأن الصراع الحالي في الإقليم سيحرمها تلبية شروطها التي وضعتها على واشنطن في خال قررت الإنضمام لـ"بريكس" في هذه المرحلة.

• ترى الرياض بأن واشنطن تتراجع في الإقليم ، وأن طهران تتقدم وتزداد نفوذا، ولا تريد أن تكون عضوا في مجموعة تضم إيران وتلتزم من خلالها بنوع تصالحي أو قانوني من العلاقات معها تفقدها هامش المناورة في هذه المرحلة.

• تعتقد الرياض بأن توازن القوة في الإقليم مهتز لصالح خصوم واشنطن وتل أبيب، وهو ما لا ترغب به، لا تريد بأن تكون سببا في مزيد من اختلال هذا التوازن عبر الإنضمام لـ"بريكس".

• تعتقد الرياض بأن التأجيل في قبول الإنضمام، سيجعلها تحصل على تنازلات من طهران، وسيدفع بالصين والهند وروسيا للضغط على إيران لتسوية الصراع الإقليمي.

انطلاقاً من كل ذلك يمكن القول بأن موعد انضمام السعودية إلى مجموعة "بريكس" لا يمكن التنبؤ به، ولا يبدو أنه في موعد قريب، خاصة بأن واشنطن تحرص على استمرار الصراع في الإقليم، بل تبدو وكأنها باتت تعتمد استراتيجية المساكنة مع الإشتباك القائم، فلا هي تريد توسيع الصراع، ولا هي تريد إنهاءه، تماما كما هو الحال في أوكرانيا، وبالنسبة لواشنطن فإن استمرار المعركة على ما هي عليه أقل خسارةً مما هو عليه لو توقفت وفقاً للوقائع و النتائج الحالية.